عائلة الأسير بسام السعدي: اعتقالات متكررة ونزوح يسرق الاستقرار
تقرير/ إعلام الأسرى

في مخيم جنين، المكان الذي ولدت فيه أركان بطولة الناشئين والقياديين وأصحاب سنوات النضال الحافلة، في شوارعه التي تحفل برائحة دماء الشهداء، وصرخات النازحين الذين غادروه قسراً تحت ظلم الاحتلال وانتهاكاته التي تلاحقهم منذ سنوات، في تلك البقعة أصبحت هناك أطيافٌ لبيوت وذكريات انتهت الحياة فيها لأعداد كبيرة من ساكنيه، ورحلوا بحثاً عن بعضٍ من استقرارٍ لا يوجد في كل ربوع البلاد، غادروا بيوتهم وأملاكهم وغادرهم الرجال نحو السجون وبعضهم الآخر نحو الجنان.

تخون الذاكرة أصحاب الآلام، أولئك الذين أعيتهم كثرة الاعتقالات والمداهمات وسنواتها التي لا تنتهي، من أصبحت حياتهم رهينة طرق الأبواب وتكبيل الأيادي وتعصيب الأعين والضرب والتنكيل والتكسير، ومن لا يزورهم النوم المطمئن، اليوم في جنين تفقد عائلة رجالها، الأب والابنين أسرى وآخرين شهداء في سطورٍ من التضحية لم تنتهي منذ أكثر من 18 عاماً، وتصاعدت وتيرتها في أعقاب حرب السابع من أكتوبر.

زوجة الأسير الشيخ بسام راغب عبد الرحمن السعدي(66عاماً) من سكان مخيم جنين، تحدثت لمكتب إعلام الأسرى حول اعتقال زوجها وابنيها وما تعلمه العائلة عنهم في ظل انقطاع الأخبار عن الأسرى، ومنع الاحتلال ذويهم من حق الزيارة ومن حق وصول المحامين، وفرضه سياسة التجويع ومنع الدواء والعلاج عن كافة الأسرى.

لم تعد زوجة الشيخ السعدي تقوى على عد تواريخ اعتقاله، لقد سرقت سجون الاحتلال عمرها وعمره وعمر أبنائه، تعيش هي صامدة بعد أن نزحت العائلة من مخيم جنين في أعقاب انتهاكات الاحتلال المتواصلة لهم وتفقد أبرز أركان بيتها، في حين يشتت الاحتلال زوجها وأبنائها في سجونه وترقب أخبارهم يوماً بيوم.

تقول زوجة الشيخ بسام السعدي" لا معلمات جديدة عنه، حين يزوره المحامي يطمئننا عن صحته، لكننا لا نعرف حقاً تفاصيل اعتقاله وما يعانيه في سجون الاحتلال اليوم يتواجد في سجن ريمون لا نعرف ما حدث معه بالتفصيل، تعرض للضرب في أثناء اعتقاله على رأسه، ولديه سلسلة من الأمراض وملف صحي يحتاج إلى علاج".

يعاني الأسير السعدي من أمراض في معدته، وآثار دوار، كما ولديه آلام نتيجة وجود "دسكات" في ظهره، وما تعرض له من ضرب على رأسه حين اعتقاله يضاف كذلك لسلسلة معاناته الصحية.

في اعتقاله الحالي أمضى الشيخ السعدي ما يقارب العامين، قبل أن يتم تحويل ملفه من قضية إلى اعتقال إداري، وكان آخر تجديد له منذ نهاية شهر تموز ومدته أربع أشهر، وتقدم محاميه بجلسات استئناف ضد حكمه مرات عدة ولم يتم تثبيت اعتقاله الإداري.

تؤكد عائلة الشيخ بسام السعدي على أن مجمل اعتقالاته مجتمعة على مدار سنوات متفرقة قد وصلت إلى 18 عاماً، سرق منهم ومن البيت ومشاركة عائلته تفاصيل آلامهم وصبرهم، وترافق العائلة اليوم آلام مضاعفة عقب اعتقال ابنيه يحيى وصهيب وإصدار إحكام إدارية بحقهم أيضاً.

يستهدف الاحتلال الشيخ السعدي بالاعتقالات المتكررة ويتقصد تغييبه عن مجتمعه حيث يعتبره مؤثراً وناشطاً، ونتيجة ذلك ذهب عمره في سجون الاحتلال، اعتقله الاحتلال سابقاً على خلفية عضويته ونشاطه في حركة الجهاد الإسلامي، وقد تعرض الشيخ السعدي عام 1992 إلى الإبعاد إلى منطقة مرج الزهور جنوب لبنان رفقة (415 قيادياً من حركات المقاومة)، فلطالما تعمد الاحتلال تغييبه عن بقعته ونشاطاته الجغرافية، حيث كانت غالبية فترات اعتقاله فترات إدارية دون لوائح اتهام ودون سقف محدد تلتزم به محاكم الاحتلال ويستمر هذا العذاب الاعتقالي حتى يومنا هذا.

مطلع شهر آب للعام 2022 حين تعرض الشيخ بسام السعدي للاعتقال تعمد الاحتلال التنكيل به، ومارس بحقه خلال فترة اعتقاله عدة محاولات لكسر إرادته وإذلاله غير أنه كان صامداً كجبل بجبهةٍ عالية كل مرة، يصارع إدارة السجن وتوصياتها بحقه، ويشكل حالة صمود يحتذي بها الأسرى الذين يرافقونه في أسره.

يعتبر السعدي أحد أبرز قادة حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، درس في الجامعة الأردنية تخصص المحاسبة، لديه من الأبناء 11، ومعظم أولاده بين أسرى وجرحى وشهداء، فعام 2002 ترك جرحاً في قلب عائلة السعدي حين فقدت العائلة نجليها التوأمين، عبد الكريم السعدي وإبراهيم السعدي خلال اقتحام مخيم جنين، وكانا ناشطين في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وقصف منزل العائلة أيضاً.

يمارس الاحتلال سياسة الاعتقالات الدوارة بحق لأسير السعدي نتيجة كونه أحد أبرز رجال الإصلاح في جنين، ونتيجة علاقاته الطيبة مع كافة فصائل المقاومة الفلسطينية وتأثيره الكبير والداعم لتضحيات أبناء وطنه، وحين تصارع البلاد أي قضية أو توتر سياسي أو حرب في غزة واجتياح في كافة مناطق الضفة يكون الشيخ السعدي الهدف الأبرز في الاعتقال في كل مرة.

لا تقوى زوجة الأسير بسام السعدي على سرد تواريخ اعتقال زوجها ولا عدد المرات التي تم اقتحام منزلها ومنزل أبنائها، لم تعد قادرة على معرفة عدد الليالي التي اقتحم جنود الاحتلال فيها المنزل كخفافيش الليل، ولا عدد مرات تجديد اعتقال زوجها وأبنائها، نزحت رفقة زوجات أبنائها من مخيم جنين إلى برقين، ليضاف همٌ جديدٌ للعائلة التي كانت تملك بيتاً مستقلاً واليوم تعيش في الإيجار لم تنصفها الأرض والتضحيات ولا زال أبناؤها يقدمون عنفوان شبابهم في السجون.

تعرضت زوجة الأسير السعدي بنفسها لمرارة الاعتقال، فقد اعتقلت في سجون الاحتلال لثلاث سنوات، فقدت توأميها برصاص الاحتلال وأصيب ابنها عز الدين بجروحٍ خطرةٍ كذلك، اعتقل الاحتلال أبنائها صهيب ويحيى وعز الدين وفتحي مراتٍ متفرقة، و فقدت منزلها بصواريخ الاحتلال عقب استشهاد ولديها، ورفقة كل هذه الآلام لم تعد التواريخ حاضرة ولم يعد هناك طاقة لآلامٍ جديدٍ ولذاكرةٍ أخرى تعوض ما فاتها من الألم والصبر والصمود الذي قل نظيره.

تمتد آلام الاعتقال في عائلة الأسير الشيخ بسام السعدي لتطال ولديه يحيى وصهيب، تقول زوجته" لا يزال الاحتلال يعتقل صهيب ويحيى، ويعاني كلاهما من ملف اعتقال إداري، ويتركون خلفهم عائلة وأبناء، نزحنا جميعاً من المخيم وفقدناهم أسرى في السجون".

اعتقل الاحتلال الأسير السعدي قبل أيام من حرب الإبادة على غزة، ويعاني اليوم من ملف الاعتقال الإداري المتجدد، في سجن شطة، ومنذ أكثر من سنتين يفتقده ابنه وابنته، كما واعتقل الاحتلال يحيى السعدي بتاريخ 7/2/2024، ويخضع كذلك لملف اعتقال إداري في سجن مجدو وتفتقده عائلته زوجته وابنته أيضاً، وقد تعرض يحيى وصهيب لاعتقالاتٍ سابقة متفرقة ولفترات متفاوتة.

لم يسلم أي فرد من عائلة الأسير السعدي من الانتهاكات لم تسلم حتى حجارة منزلهم، ولم تزر الطمأنينة قلب هذ العائلة منذ سنوات، يحملون ضريبة الوطن والمبدأ الشريف وينتظرون بصبرٍ أيوبي حريةٍ قريبة وعودة إلى بيتهم وذكرياتهم في الوقت الذي تغيب فيه أخبار أبنائهم وأخبار أبيهم في سجون الاحتلال.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020