معتقلو غزة في سجون الاحتلال يتحدثون عن جحيم لا يرى
شهادات من لحمٍ حي: تعذيبٌ بلا شواهد وألمٌ لا يهدأ
تقرير/ إعلام الأسرى

في المعتقلات التي لا يدخلها الضوء وفي البركسات التي تحاصرها الرطوبة والقهر، يسحق الجسد الفلسطيني تحت وطأة آلة القمع الإسرائيلية.  

نعم، سحق للجسد و عبور إجباري إلى دوائر الجحيم حيث يتداخل التعذيب الجسدي مع النفسي، وتستباح الآدمية كما تسحق الأشياء عديمة القيمة.

من شباط حتى كانون الأول 2024، تكررت ذات السيناريوهات مع معتقلي غزة: اعتقالات جماعية من مدارس وممرات آمنة، نقل بين المعسكرات، عزل، ضرب، تعرية، تجويع، ومنع من العلاج. شهادات موثقة، صادرة عن معتقلين ناجين من هذا الجحيم، ترسم صورة متكاملة لواحدة من أبشع حلقات الانتهاك الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر.

في هذا التقرير نورد خمس شهادات صادمة، رواها معتقلون مروا على سجون عوفر والنقب ومعسكرات "سديه تيمان" وغلاف غزة، وكلهم خرجوا بأجساد محطمة وأرواح موشومة بندوب لا تزول.

القيود التي أفقدتني بصري : "أُصبت بضرر بالغ في النظر نتيجة الضرب"

"اعتقلت في شباط/ فبراير 2024، من مدرسة في خان يونس، حيث اعتقل جيش الاحتلال أكثر من 100 مواطن. نقلت إلى البركسات لمدة 23 يومًا، ثم إلى معتقل قرب القدس، ثم إلى سجن "عوفر"، ولاحقًا إلى سجن "النقب".

خلال عملية نقلي من "عوفر" إلى "النقب"، ضُربت بالقيود على رأسي، ما أدى إلى ضعف حاد في نظري بالعين اليسرى، وصداع دائم، وفقدان للتوازن. كما أُصبت بمرض الجرب، وعاد إلي بعد شفائي بسبب الظروف غير الصحية"

الماء المغلي واحتراق الكرامة : "سكبوا الماء الساخن على جسدي"

"اعتقلت في شباط/ فبراير 2024، وتعرضت لتحقيق ميداني، ثم نقلت إلى معسكر سديه تيمان لمدة 25 يوما، ثم إلى معسكر قرب القدس، ولاحقا إلى سجن "عوفر"، ثم إلى سجن "النقب". طوال هذه الفترة، تعرضت لجميع صنوف التعذيب، وحتى عند نقلي إلى سجن "النقب"، سكب الماء الساخن على جسدي.

اليوم أحتجز في قسم الخيام داخل سجن النقب، حيث يحتجز 27 معتقلًا في كل خيمة في ظروف غاية في القسوة. نعاني من اعتداءات مستمرة، وتجويع وإذلال يومي. الطعام غير صالح للأكل، فنضطر إلى الصوم وجمعه في وجبة واحدة مساء. كما نحرم من العلاج، حتى من مرض الجرب الذي أصيب به المعتقلون وتفاقم بسبب انعدام النظافة وعدم توفر سبل الوقاية والعلاج"

انتهاك مركب: العري والخمر والغرز

"عُريت بالكامل وأُجبرت على شرب الخمر"

"اعتقلت في شباط/ فبراير 2024، من الممر الآمن، ثم نقلت إلى غلاف غزة لمدة 25 يوما، وبعدها إلى معسكر قرب القدس، ثم إلى معسكر عوفر، حيث بقيت 60 يوما، ثم إلى سجن "النقب". في غلاف غزة، ضربت بأداة حادة، واحتاج جرحي إلى غرز معدنية بقيت في رأسي 119 يوما ما تسبب بالتهاب في فروة الرأس. وفي المعسكر قرب القدس، عريت بالكامل وأُجبرت على شرب الخمر"

كذبة القاتل: "عائلتك أُبيدت" : "حاولت الانتحار بعد أن أبلغني المحقق بمقتل عائلتي"

"اعتقلت في كانون الأول/ ديسمبر 2024، عبر حاجز الإدارة المدنية، وتعرضت للضرب المبرح، وتم تجريدي من ملابسي.

أخبرني المحقق أن جيش الاحتلال قتل جميع أفراد عائلتي، مما سبب لي أزمة نفسية حادة دفعتني لمحاولة الانتحار داخل المعتقل، لولا تدخل زملائي. خلال زيارتي أخبرني المحامي أن عائلتي بخير، فانهرت بالبكاء ولم أصدق ما سمعته"

خيمة لا تسكنها إلا الكوابيس: "نعيش حالة رعب وخوف على مدار الساعة"

"اعتقلت في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، عبر حاجز الإدارة المدنية، وتعرّضت لتحقيق ميداني، ثم احتُجزت في البركسات في غلاف غزة لمدة 110 أيام، قبل نقلي إلى سجن "النقب".

ما نزال نعيش ظروفا قاسية للغاية، ونتعرض يوميا للتفتيش، والاعتداء، والإذلال. يجبرونا على الجلوس على الركبتين وأيدينا إلى الخلف خلال ما يسمى "بالعدد - الفحص الأمني".

الأمراض منتشرة، والخوف والرعب لا يفارقاننا، إلى جانب حرماننا من العلاج وتجويعنا المتعمّد.

قال مكتب إعلام الأسرى في تعقيبه على هذه الشهادات الصادمة "ما ورد في هذه الإفادات ليس سوى عينة من مئات الشهادات التي توثق جرائم تعذيب ممنهج ترتكبها سلطات الاحتلال بحق معتقلي غزة، في انتهاكٍ صارخ لكل الأعراف الدولية والمواثيق الحقوقية.

منذ السابع من أكتوبر، تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء في تعاملها مع الأسرى، عبر استخدام الضرب، التعري، الصدمات النفسية، والتجويع كوسائل قهر وإخضاع.

نؤكد أن ما يتعرض له المعتقلون الفلسطينيون، لا سيما من سكان قطاع غزة، يعد جريمة حرب متكاملة الأركان، وتستوجب تحركا عاجلا من المؤسسات الحقوقية الدولية، وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لوقف هذه الانتهاكات وفتح تحقيق دولي مستقل لمحاسبة المسؤولين عنها.

شهادات من نمط متكرر يمارس فيه الاحتلال تعذيبا ممنهجا بحق المعتقلين الفلسطينيين خاصة من سكان غزة.

الإذلال، التعري، الحرمان من العلاج، ووسائل التحقيق الوحشية سياسة قائمة على محو الكرامة الإنسانية، شهادات تنقل جراح مفتوحة تنطق بما عجزت عن قوله الصور.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020