قاسم عصافرة.. حين أُطفئت الأضواء في السجون واشتعل الأمل في القلوب
تقرير/ إعلام الأسرى

لم يكن الأسير قاسم عصافرة من بلدة بيت كاحل في الخليل يدرك أن لحظة الحرية التي انتظرها ستأتي وسط ظلمةٍ شاملة ابتلعت سجون الاحتلال الإسرائيلية منذ اندلاع حرب الإبادة على غزة. بعد ست سنوات من الأسر والحكم بالمؤبد، تحرّر في صفقة طوفان الأحرار الثالثة، تاركًا خلفه زنازين لم تعد تعرف معنى الحياة.

سجون بلا ملامح.. ذاكرة ممسوحة عن الوجود

مع بدء الحرب، تبدّل كل شيء. يقول قاسم: "كأنهم محوا أعمارنا.. كل ما جمعناه خلال سنوات الاعتقال اختفى. كانت لنا كانتينا نشتري منها، فورة نلتقي فيها، أدواتنا، أغراضنا الشخصية، غسالة، مطبخ صغير... كل شيء صادروه فجأة وكأنهم أرادوا أن يعلنوا موت المكان."

لم يكن أحد من الأسرى يستوعب ما يجري، لكنّهم، رغم القهر، شعروا بلحظة انتصارٍ داخلي حين سمعوا بأحداث السابع من أكتوبر، "انبسطنا من قلوبنا. حسينا بالكرامة، وأنه يوم عبور مجيد أذلّ الاحتلال. حتى لما بدأ الضرب والتنكيل، ما اهتمينا.. كنا نقول: ما دام في مقاومة، معناته الفرج قريب."

لحظة القمع الجماعي

في مرة من مرات القمع اللامعدودة خلال عامين، انقضّت وحدات القمع بكامل تشكيلاتها. اقتحموا الغرف بشكل هستيري.

يقول: "دخلوا علينا بالعدد، قالوا: لورا، لآخر الغرفة. رسموا خط أصفر، ممنوع نتعداه. بعدين صرخوا: انبطح! وإيديك ورا ظهرك. ما فيك تدافع عن نفسك، ولا تتنفس. فوق كل أسير سجان، ينطّ عليه ويخبطه. الأصوات صارت وجع، في شباب حسينا إنهم انتهوا تحت أرجلهم."

كانت تلك الساعات تختصر كل سنوات القهر. ضرب، غاز، إهانة، تصوير مذلّ، وقطعٌ تام لكل سبل التواصل مع العالم. لا راديو، لا تلفاز، لا زيارة، لا محامٍ. فقط جدرانٌ تصرخ بصمت.

من الفجر إلى “باب الجحيم”

حين أُعلن عن أسمائهم ضمن صفقة التبادل، عاشوا أصعب الساعات بين الخوف واليقين. يصف عصافرة نقله من نفحة إلى ريمون ثم النقب: "كل الطريق كانت عذاب. وحدات نحشون كانت تتعامل معنا كأننا مش بشر. منطقة الانتقال بين الأقسام يسمّوها (باب الجحيم)، ما فيها كاميرات. هناك يبدأ الضرب.. سجانين اثنين ماسكيني مكلبش، يضربوا ويضغطوا على إيديّ، يوصلونا للبوسطة ويكملوا ضرب. وإذا وقعت، يركبوا فوقك وينطّوا عليك. كثير انفتحت روس وانكسرت أيدي بهالطريقة."

ورغم العذاب، ظل في داخله شعورٌ غامض بالطمأنينة، "كنا بنحكي لبعض: خلص، شكلها النهاية قربت. مش مهم الضرب، المهم الحرية."

الحرية.. خروج من مقبرة الأحياء

حين جاء يوم الخروج، كان قاسم منهكًا لكنه مرفوع الرأس. خرج من “المقبرة”، كما يسميها، جسدًا متعبًا بروحٍ لم تُكسر، "طلعنا والوجع فينا، بس كنا واثقين إنو الحرية صارت ممكنة. الاحتلال قدر يمحي أغراضنا، بس ما قدر يمحي روحنا."

قاسم عصافرة ليس مجرد أسير محرر؛ إنه شاهدٌ على زمنٍ من القهر الممنهج، ووجهٌ من وجوه الصمود التي لم تُكسر رغم كل أدوات القمع.

خرج حاملاً في ذاكرته وجع الزنازين، وصرخةً تشهد أن المقاومة لم تكن فقط على حدود غزة، بل كانت أيضًا في كل زنزانةٍ قاومت النسيان.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020