"سأعود يا أمي" :صدى الروح من خلف قضبان الدامون
تقرير/ إعلام الأسرى

في سجن الدامون، حيث يغيب الضوء خلف الجدران السميكة، وتعلو صرخات النساء على صمت العالم، تقبع الأسيرة لينا راشد عويضة مسك (مواليد 15 كانون الأول/ديسمبر 1990) من مدينة الخليل. تاجرة مواد خام للأثاث، وأم لثلاثة أطفال: سلسبيل (سوسو)، إيلان، وعبد الرحمن (عبود)، خُطفت من أحضانهم، فتركت في قلب كلٍّ منهم فراغًا لا يسده غير رجوعها.

"صرت أحلم أشوف لافتة خليل الرحمن ترحب بكم، يا له من حلم صغير كبير!"، تقول لينا التي لم تغب لحظة عن أبنائها، تذكرهم فردًا فردًا، وتعيد رسم ملامحهم في ذاكرتها كل ليلة قبل النوم، تمسح وجوههم المتخيلة بدمع الشوق، وتهمس لهم من خلف القضبان: "ما تفكّروش إني نسيتكم، راجعة، وبحبكم حبّ ما إله وصف".

في 24 فبراير 2025، استُدعيت للتحقيق بسبب منشورات على مواقع التواصل، خُيّل لها أنه تحقيقٌ عابر، لتجد نفسها بعدها في دوامة الاعتقال، من سجن هشارون إلى الدامون، حيث العنف سياسة، والانتهاك ممارسة يومية.

رُويت عنها شهادات توجع القلب: قمع، عزل، تكبيل بالأصفاد، وضربٌ طال يدها حتى برزت عظمة فيها، شبح متكرر، تهديدات جنسية ضد الأسيرات، وسجّانون يتلذذون بالقهر وكأنهم يحتفلون. "ضربونا بالساحة، مسكينا من رؤوسنا، وإحنا مكلبشات ومغمّضات، وجابوا الكلاب، والمسؤولين بيضحكوا"، تقول لينا.

ورغم هذا الجحيم، لا تزال لينا تحتفظ بحلم العودة والأمل بالحياة. تحدثت عن مشروع ستطلقه بعد الحرية، يخص النساء والأطفال، وعن مركز تجميل للعلاج بالليزر ستدعو إليه كل رفيقات الأسر مجانًا، وتحلم ببوفيه مفتوح تضع فيه كل ما اشتهته بنات الدامون في فترة سجنهن، "من أول الكنافة لآخر فنجان قهوة".

بعينين تلمعان بالشوق، أرسلت لينا سلامها إلى كل من تحب: إلى والديها، إلى إخوتها وخواتها الذين وصفهم بـ"الروح"، إلى ابنتها سوسو: "صرتِ صبيّة، ديري بالك على إخوتك وعلى تاتا"، إلى عبود وإيلان: "بدي آكلكم أكل بس أطلع من كثر ما بحبكم"، إلى صديقاتها في الزنزانة، إلى رفيقات الطريق والوجع.

ذكرت الأسيرة أسيرات الدامون واحدة تلو الأخرى، وأرسلت رسائلهن إلى عائلاتهن: بنان، آية، فاطمة منصور، حنين، ميسون، شهد، رماء، كرمل، تسنيم، تهاني سرحان الحامل والمريضة بالتلاسيميا. أمنيات وأوجاع، وأسئلة عن عمليات مؤجلة، عن كفالات لا يُرِدن دفعها، عن مشاهد المحاكم التي تقسو أكثر من الزنازين.

وفي لحظة شجن، قالت لينا: "حمّام ابن يحيى عليّ"، ثم همست: "نفسي بكنافة بعين سارة مع الكل، لس أطلع بنعيدها مع الأولاد".

وفي ختام الكلمات التي تقطر وجعًا، تمضي الجملة الأخيرة كأنها قسم في وجه الظلم: "سأعود يا أمي".

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020