في ساحة سجن "الدامون"، أطلت سامية جواعدة مكبلة اليدين والقدمين، معصوبة العينين بشاشة سوداء، تتقدمها سجانة ويحيط بها سجانان. مشهد ثقيل يختصر فيه حال الأسيرات الفلسطينيات بعد السابع من أكتوبر؛ قيد، وعتمة، وجفاء.
سامية ياسر موسى جواعدة مواليد 10 يناير 1976، من قرية سكا/دورا قضاء الخليل، لم تكن تنتظر اقتحاما مفاجئا لمنزلها بعد منتصف الليل، لكن عشرين جنديا جاءوا فقط "للفوبيا والأكشن" كما قالت ساخرة، وأضافت:
"هالقد أنا مهمة؟ لو طلبتوني بالتليفون، كنت جيت لحالي"
نقلت في البرد القارس إلى معسكر، ثم إلى "كريات أربع"، وبعدها إلى "المسكوبية" حيث خضعت لتحقيق قاسٍ لـ22 يوما، على خلفية "بوستات هَبَل بهَبَل" كما تصفها، ثم نُقلت إلى "الدامون"، لتبدأ فصلا آخر من المعاناة.
في زنزانة رقم (6) تتقاسم سامية وجع الأسر مع ريهام موسى وسناء دقة، ومع أسيرات أخريات من مختلف الأعمار والمناطق. تحكي عن قمعة جديدة في المعتقل:
"اليوم ما في فورة، دفشوا سهام (أم خليل من غزة، سبعينية) بوحشية، وصارلنا ثلاث أيام بيركعونا على العدد"
ورغم القيد تسكن سامية روحا دافئة وأما حنونة، تشتاق لأبنائها الأربعة: شمس، نور، محمد، وفارس، وتوصيهم بكل ما يليق بامرأة اعتادت أن تكون صلبة وناصحة حتى من خلف الأسوار.
"نور: إن شاء الله بحضر تخرجك من الطب، وتخرج شمس من هندسة الحاسوب. محمد: شد حالك. فارس: استمتع بالعطلة وخذ دورات"
وعن زوجها أشرف، ينهار القيد قليلا حين تحكي عنه: "مشتاقة لأشرف حلمت فيه كاتبلي قصيدة شعر عامودي بورقتين، كثير انبسطت"
قرأتُ لها أبياتا كتبها أشرف على صفحته، وفيها يقول:" يا أيها الدامون فيك حبيبةٌ
مسحت على صدر الجريح عذابه
أبل ربى حيفا عن الجرح الذي
يحكي بنزف شيبه وشبابه
حيفا وددنا أن نزورك حرة
بالنصر لا بالقيد يا لغرابة"
ضحكت سامية حين علمت أن أشرف زرع لها ثلاث شجرات: عنب، وتينة، وخوخة، وقد أثمرن، وقالت بذهولٍطفولي: "ولاو؟ صرن مثمرات؟" فقلت: "يحق للشاعر ما لا يحق لغيره"
سامية معلمة الأحياء والمختبرات الطبية، تشتاق لمدرستها، وتحن للطبشور أكثر من السرير الحديدي. تحمل في ذاكرتها الصغيرة الكبيرة كل ملامح إخوتها وأخواتها، وتوصيهم برسائل دافئة، لا تنسى أحدا، حتى ورق العنب:
"خواتي خزنولي ورق عنب أخضر بمرطبانات"
وحين يتحدث الحديث عن ملف الأسيرات، يتغير وجهها، ويغلبها القهر:
"بدنا وقفة جادة، ليش إحنا هون؟ ليش المحامين بباطلوا بالقضايا؟ تأجيلات كل الوقت هذا التعامل جريمة!"
ثم تعود لتطمين أحبتها:
"طمنوا الكل عني، أنا قوية، هاي المحنة راح تصير منحة إن شاء الله، وراح تغيّر حياتنا".