سالي صدقة.. الأسيرة التي بكت حين رأت الشمس
تقرير/ إعلام الأسرى

لم تكن الشمس بعيدة، لكنها غابت عن وجه سالي لـ 37 يوما.  

حين أطلت من طاقةٍ صغيرة في سجن الشارون، رأت الغروب لأول مرة منذ أسابيع، ولم تتمالك نفسها: انهارت بالبكاء.

سألها أحدهم عن السبب، فأجابت بعفوية الأطفال: "شفت الشمس!"

سالي محمد عودة صدقة، من قرية المدية قضاء رام الله، لم تكمل عامها السابع عشر بعد، طالبة حادي علمي، تحب دروسها وصديقاتها ولعبة "ببجي"، وتشتاق لملاتيت أم بلال، ولفسيخ جدتها التي اعتقلت قبل أن تتذوقه.

اعتقلت سالي على أحد الحواجز العسكرية يوم 5 يناير 2025.

"أخذوني على معسكر، بالغرفة كان في ثلاث شباب، وشغلوا المكيف تبريد طول الليل، ثم بدأ التحقيق من الساعة الثالثة حتى نص الليل".

تعرضت للضرب على وجهها بعقب البندقية وبالكتب، وكانت صامتة.

وعندما وصلت إلى المسكوبية، كانت عشرات الأقدام تنهال عليها بالركل، وسط ضحكات الجنود.

36 يوما هناك دون نافذة، دون شمس، دون معرفة بالزمن.

"كنا مغيبين عن الدنيا، الأكل شحيح وسيئ جدا، وكان نفسي أتنفس، أفتح طاقة صغيرة بس".

في تلك الغرفة تعرفت على شادن قوس، الأسيرة التي ستترك في قلب سالي ذكرى لا تُنسى.

"كثير حبيت شادن وكثير تعلّمت منها كنا نغني سوا: طريقنا بتونسني كثير، ولما أقرأ سورة الناس بتذكر وبضحك".

لكن لحظة قاسية كانت تنتظرها:

يوم وفاة والد شادن، كان السجان يضحك طول الوقت.

ذات صباح قالوا لها: "أنت رايحة عالبيت"، لكنها وجدت نفسها في الشارون.

رغم السجن، أحبته، لأنها رأت الشمس والربيع من نافذته.

ثم انتقلت إلى الدامون، تحت المطر، كانت تمشي وحدها، حتى ضمّتها الأسيرة آية خطيب:

"حضنتني، حسيت إني مش لحالي".

اليوم سالي في غرفة رقم 1 برفقة القاصرة هناء حماد.

تقول إن الوضع سيء، بل أسوأ من قبل "أخذوا أواعي الشاباص، وظلينا بلبسة وحدة، الأخبار بتلعب فينا، بس الأمل معيشنا".

تعلمت الكثير في دورة القرآن، تقول إنها حفظت آيات من البقرة ويس والكهف، وتدرّس أسيرة أصغر منها.

وتضحك: "بنساوي أجواء بالغرفة، بنرقص، وبننشد".

الصبايا ينادونها: "وردة القسم، وزهرة الدامون".

رسائلها كثيرة: لأمها وأبيها، تطلب تحضير أواعي الاستقبال، ولسيلين "خلي رابطة شعرها قرون"، وتبارك لبنت خالتها وابن خالها بالخطوبة، وتسلم على كل العائلة، وتشتاق لصديقاتها شذى وعُريب ويارا، وتبعث قبلة لولاد عمّها: تامر، يامن، وساندي.

"سلموا على سيدو ومرتو، قولوا إلها انحبست قبل ما تطعمني فسيخ!"

سالي لا تنسى أحدا. ترسل سلامات من حرائر الدامون لأمهاتهن، وتعدد أسماءهن بحب ووفاء:

ولاء، هناء، آية، ياسمين، شاتيلا، حنين، رماء، فداء، زهراء، ميسون، كرمل، فاطمة، أماني، إسلام، لينا، ربى، أسيل، بنان، شهد، بشرى، سامية، ميرفت، ماسة، أم خليل، سلام، سناء، إباء، كرم.

وحين ينتهي الكلام، تهمس بابتسامة ملؤها الحنين: "أمي وأبي: جهزوا حالكم رايحة أرجع أئم فيك"

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020