تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي عبر منظومتها السجنية ارتكاب جرائم ممنهجة بحق أكثر من 10,800 أسير ومعتقل فلسطيني، بينهم نساء وأطفال، في مشهد يعكس تصعيدا غير مسبوق في سياسات القمع والتجويع والحرمان الطبي، ضمن محاولة لإخضاع الأسرى وكسر إرادتهم.
إن الإفادات التي ترد تباعا من داخل السجون، توثق واقعا مأساويا تحكمه سياسة ممنهجة تتجاوز الإهمال، لتشكل جريمة مستمرة بحق الأسرى: تفشي الأمراض الجلدية، الحرمان من العلاج، الاعتداءات الجسدية والنفسية، استخدام أدوات تعذيب محظورة دوليا، وانتهاكات جسيمة ترقى لجرائم حرب.
واقع الأسرى في السجون والمعتقلات: شهادات من قلب النار
سجن "مجدو" – الجوع والجرب حتى للأطفال
تُعد سياسة التجويع وتفشي مرض الجرب (السكابيوس) من أبرز ملامح الانتهاكات داخل سجن مجدو، حيث أفادت غالبية الأسرى ممن تمت زيارتهم أن المرض يرافقهم منذ شهور، ما أدى إلى دمامل جلدية تمنعهم من إغلاق أيديهم، وتسبب آلاما حادة وصعوبة في النوم والحركة.
وأكد الأسرى أن إدارة السجن تمتنع عن تقديم أي علاج فعال، بل تستخدم هذا المرض كوسيلة لتعذيب إضافي، حتى في صفوف الأطفال المحتجزين.
*سجن "عوفر" – اجتياح بالكلاب وقنابل الصوت*
لم يكن سجن عوفر أفضل حالً؛ بل سجل خلال يوليو الجاري عملية قمع واسعة، اقتحمت فيها وحدات القمع الزنازين مصحوبة بكلاب بوليسية، واستخدمت قنابل صوتية، مما أدى إلى إصابة أحد الأسرى بـ كسر في الأضلاع.
وتؤكد الإفادات تدهورا صحيا خطيرا ناتجا عن سياسة التجويع، قلة كميات الطعام، وتكرار النوعيات الرديئة، مما تسبب بمشكلات في الجهاز الهضمي، وفقدان الوزن والهزال العام.
سجن "النقب" – القمع والجوع في صحراء العزل
إفادات من سجن النقب كشفت عن ضرب مبرح من وحدات "الكيتر"، وإطفاء السجائر في أجساد الأسرى، وكسور في الأضلاع.
كما أشار الأسرى إلى استخدام الرصاص المطاطي أثناء الاقتحامات، واعتداءات جنسية وحشية تم تسجيلها خلال هذا الشهر.
الجوع والمرض والقمع هي أبرز ملامح الحياة اليومية في معتقل النقب.
سجن "جلبوع" – الفرد الكهربائي بدل العلاج
تصاعدت الانتهاكات في سجن جلبوع، لتشمل استخدام الفرد الكهربائي، العصي، والغاز ضد الأسرى، خصوصا أثناء الليل أو الفجر.
أفاد الأسرى بتراجع حاد في كميات الطعام إلى حد "اللقيمات"، مع تفشي واسع لمرض الجرب في ظل نقص مواد النظافة مثل الشامبو وورق الحمام، ما فاقم من تدهور أوضاعهم الصحية.
سجن "جانوت" (نفحة وريمون سابقًا) – العزل ومنع المحامين
يسيطر القمع والتنكيل اللفظي والجسدي على يوميات الأسرى في سجن جانوت، الذي شهد عرقلة ممنهجة لزيارات المحامين، وتحديدها مرة كل شهر أو شهرين.
وهذا ما فاقم عزلة الأسرى، وحرمهم من الوسيلة القانونية الوحيدة للتواصل مع العالم الخارجي.
المنع المتعمد من الزيارات الدولية والحقوقية
رغم التدهور الخطير في أوضاع الأسرى، تواصل سلطات الاحتلال منع طواقم الصليب الأحمر من زيارتهم، وتفرض قيودا صارمة على نقلهم لزيارات المحامين، تشمل الاعتداء عليهم وتقييدهم خلال التنقل، في خرق فاضح لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني.
منظمات عاجزة... وجرائم بلا محاسبة
تؤكد هذه الشهادات الميدانية أن منظومة السجون الإسرائيلية قد تحوّلت إلى مراكز تعذيب ممنهج ومفتوح، يجري فيها استخدام الجوع والمرض والعزل والانتهاك الجنسي كأدوات ثابتة للبطش الجماعي.
ويجدد نادي الأسير الفلسطيني، إلى جانب مؤسسات حقوقية أخرى، دعوتها للمنظمات الحقوقية الدولية إلى الكف عن الاكتفاء بالإدانات، والمضي قدما نحو خطوات فاعلة في محاسبة قادة الاحتلال، وفرض عقوبات دولية تنهي واقع الحصانة الذي تغطي به "إسرائيل" جرائمها.
ويؤكد مكتب إعلام الأسرى أن ما يجري داخل سجون الاحتلال جريمة متواصلة ضد الإنسانية، يتحول فيها المرض إلى وسيلة قتل بطيء ويطالب بتحرك دولي فوري لوقف استخدام مرض الجرب كسلاح تعذيب ممنهج، خصوصا في سجن مجدو حيث أصيب به أطفال دون أي تدخل طبي."
ويشير أن التجويع، الرصاص المطاطي، الفرد الكهربائي، والإطفاء في الجسد لم تخرج من أدوات التعذيب القديمة وإنما تطورت في ظل صمت العالم، وأنه لم يعد هناك معنى للرقابة أو التفتيش داخل سجون الاحتلال، بعد أن تحولت إلى مختبر مفتوح لانتهاك كرامة الإنسان الفلسطيني.
ويحمل قادة الاحتلال، سياسيين وعسكريين، المسؤولية الكاملة عن الجرائم اليومية المرتكبة بحق الأسرى، ويدعو لمحاكمتهم أمام الجنائية الدولية.