تصاعد الانتهاكات الممنهجة بحق الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال
تقرير/ إعلام الأسرى

رصدت عدة زيارات ميدانية جرت مؤخرا لعدد من الأسرى في سجون الاحتلال جلبوع، مجدو، النقب، الرملة، وعوفر، واقعا أكثر مأساوية من أي وقت مضى، حيث جدد الأسرى تأكيدهم على جملة الجرائم الممنهجة التي تواصل منظومة السجون الإسرائيلية ارتكابها بحقهم، وفي مقدمتها سياسة التجويع، الاعتداءات وعمليات القمع، الجرائم الطبية، السلب والحرمان، والتعمد في نشر الأمراض والأوبئة، وهو ما يعكس استمرار تصاعد الكارثة الصحية والإنسانية داخل السجون.

سياسة التجويع

أكد الأسرى في سجن جلبوع أن الطعام الذي يقدم لهم لا يتجاوز "لقيمات" غير كافية، ويؤدي إلى مضاعفات صحية متفاقمة. إذ يقتصر الإفطار على اللبنة والمربى وشرائح خبز مع نوع من الخضار، بينما يقدم عند الظهر مقدار ضئيل من الأرز والفاصولياء أو الحمص، ترافقه قطعة صغيرة من اللحوم المصنعة. أما العشاء فمحدود جدا، يتكون من الحمص مع الطحينة وكمية قليلة من الخبز والخضار.

القمع والتفتيش

تستمر إدارة سجن جلبوع في تنفيذ عمليات تفتيش أسبوعية وصفها الأسرى بالهمجية، إذ تتم غالبا عند "العدد" في السادسة صباحا، بمرافقة الكلاب البوليسية والأسلحة، وتتخللها اعتداءات جسدية ولفظية، إضافة إلى استخدام "الفرد الكهربائي" كأداة تعذيب.

أما في سجن النقب، فقد تحولت عمليات القمع إلى مشهد متكرر أسبوعيًا، عبر اقتحام الأقسام بالكلاب وإطلاق الرصاص المطاطي والاعتداء على الأسرى، خصوصا في ساعات الفجر أو منتصف الليل. وعبر الأسرى عن تخوفهم من عودة انتشار مرض الجرب – السكابيوس بالوتيرة نفسها التي أودت بحياة عدد منهم في وقت سابق، لا سيما مع استمرار الاكتظاظ، وغياب أدوات النظافة الشخصية، وحرمانهم من العلاج والملابس والتهوية.

الأمراض والأوضاع الصحية

أظهرت الزيارات إلى سجن عوفر انتشارا واسعا لمرض الجرب (السكابيوس)، بما في ذلك بين الأسرى الأطفال. وأفاد الأسرى أن الإدارة تضع المصابين وغير المصابين في الأقسام نفسها، مما أدى إلى تفش غير مسبوق للمرض، وسط حرمان شبه كامل من العلاج. وأشار أطفال الأسرى إلى أنهم لم يعودوا قادرين على النوم بسبب الحكة الشديدة التي تسببت بجروح ونزيف دون أي استجابة لمطالبات العلاج.

وفي سجن مجدو، أكد الأسرى أن بعضهم تلقى علاجا جزئيا للجرب، إلا أن أعداد المصابين ما زالت كبيرة فيما تزداد معاناة المعتقلين المرضى بسبب غياب الرعاية الطبية. ومن بين الحالات البارزة الأسير (م. د) الذي يعاني من إصابة قديمة في القدم والظهر تسببت بتفتت عظم القدم، إضافة إلى إصابته بالديسك ومشاكل في القلب وضغط الدم، إلا أنه لا يتلقى سوى مسكنات غير منتظمة رغم حاجته الماسة لأدوية دائمة.

أما عيادة سجن الرملة، التي تضم 22 أسيرا معظمهم مرضى مزمنون أو مصابون، فقد شهدت مؤخرا عملية قمع عبر رش الغاز داخل الأقسام، ما تسبب بحالات اختناق وإغماء، إضافة إلى تفشي الجرب بينهم. ويذكر أن جزءا من الأسرى المحتجزين في "عيادة الرملة" هم من معتقلي غزة، منهم: محمود أبو خاطر، محمود لبدة، وحسام الجندي.

أعداد الأسرى والمعتقلين

حتى بداية آب/ أغسطس 2025، بلغ عدد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال نحو 10,800 أسير، وهو الرقم الأعلى منذ انتفاضة الأقصى عام 2000. ويشمل هذا العدد:

الأسيرات: 49 أسيرة، بينهن اثنتان من غزة.

الأطفال : أكثر من 450 طفلًا.

المعتقلون الإداريون: 3,613 معتقلا (حتى بداية تموز/ يوليو)، وهو العدد الأعلى تاريخيا.

المصنفون كمقاتلين غير شرعيين: 2,378 معتقلا، لا يشمل جميع معتقلي غزة المحتجزين في المعسكرات العسكرية، ويضم معتقلين عربا من لبنان وسوريا.

الإطار القانوني للانتهاكات: جرائم حرب في ضوء القانون الدولي

ما يجري في سجون الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن وصفه إلا بجرائم ممنهجة ضد الإنسانية وجرائم حرب، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع نصوص واضحة في القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.

1. اتفاقية جنيف الرابعة (1949):

المادة (27): تكفل للمعتقلين الحق في احترام كرامتهم وحمايتهم من أي اعتداء على صحتهم البدنية أو النفسية. الاحتلال ينتهك هذه المادة من خلال سياسة التجويع والتعذيب الجسدي والنفسي.

المادة (32): تحظر صراحة تعريض المعتقلين لأي تعذيب بدني أو نفسي، أو أي معاملة مهينة. في حين تستخدم سلطات الاحتلال أساليب مثل "الفرد الكهربائي"، والكلاب البوليسية، والاعتداءات الجسدية، وهو انتهاك مباشر لهذه المادة.

المادة (55): تلزم قوة الاحتلال بضمان تزويد المعتقلين بالغذاء الكافي والملابس المناسبة. ما يجري من سياسة تجويع ممنهجة يخرق هذه المادة بوضوح.

المادة (56): توجب على الاحتلال توفير الرعاية الطبية والمستشفيات اللازمة للمعتقلين. حرمان الأسرى من العلاج، وتعمد نشر الأمراض والأوبئة، خاصة "الجرب – السكابيوس"، يمثل خرقا فجا لها.

2. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966):

المادة (7): تحظر التعذيب أو المعاملة القاسية أو المهينة. ممارسات الاحتلال اليومية من اعتداءات وضرب وتفتيش همجي تخالف هذا النص بشكل مباشر.

المادة (10): تنص على أن "كل شخص محروم من حريته يجب أن يُعامل معاملة إنسانية". وهو ما يناقض تماما واقع الأسرى في سجون الاحتلال.

3. القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا – 2015):

القاعدة (22): تنص على ضرورة توفير الغذاء الكافي والقيمة الغذائية المناسبة للمعتقلين. الاحتلال ينتهك هذه القاعدة من خلال تقليص الطعام وتجويع الأسرى.

القاعدة (24): تؤكد على أن "الرعاية الصحية حق أساسي لكل سجين". ما يحدث من إهمال طبي متعمّد، وحرمان من الأدوية، وقمع المرضى في "عيادة الرملة"، يشكل خرقا لهذه القاعدة.

4. نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998):

المادة (7): تصف الحرمان المتعمد من الغذاء والعلاج كجريمة ضد الإنسانية.

المادة (8): تعتبر تعذيب الأسرى، وإجراء التجارب أو تعمد نشر الأمراض، جرائم حرب تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.

إن سياسة الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين تمثل نموذجا لانتهاك شامل ومركب للقانون الدولي يجمع بين:

- التجويع كأسلوب تعذيب بطيء.

- التفشي المتعمد للأمراض بما فيها "الجرب" عبر حرمان الأسرى من النظافة والعلاج.

- التعذيب الجسدي والنفسي الممنهج.

- حرمان المرضى من العلاج في خرق صريح لواجبات قوة الاحتلال.

وبذلك، فإن ما يتعرض له الأسرى يستوجب تحركا دوليا عاجلا من الأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ويفرض على المحكمة الجنائية الدولية فتح ملف جرائم الحرب بحق قادة الاحتلال باعتبارهم مسؤولين عن منظومة كاملة من الجرائم المنظمة والممنهجة.

وشدد مكتب إعلام الأسرى على أن استمرار هذه الجرائم يعكس سياسة رسمية ممنهجة لإبادة الحركة الأسيرة ببطء، معتبرا أن "ما يجري لا يمكن وصفه إلا بجرائم ضد الإنسانية تستدعي تحركا دوليا عاجلا".

ودعا المكتب كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية إلى كسر صمتها، واتخاذ إجراءات عملية وفورية، تبدأ بفتح تحقيق دولي مستقل ومساءلة قادة الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية، وفرض عقوبات ملزمة على الاحتلال باعتباره كيانا فوق القانون حتى الآن.

وختم المكتب بالتأكيد على أن "الإفلات من العقاب هو الذي شجع الاحتلال على المضي في جرائمه، وإن إنهاء هذه الحصانة الاستثنائية هو المدخل الحقيقي لوقف الكارثة المستمرة داخل السجون".

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020