الجندي المجهول في تاريخ الحركة الأسيرة
صامد في العتمة : الأسير المؤبد بلال البرغوثي في مواجهة العزل والإهمال الطبي
تقرير/ إعلام الأسرى

تعرف بلاده اسمه ونضاله وتاريخ حبه لحجارتها وبساتاينها، تحفظه قراها التي مر بها مجاهداً على طريق الحرية، وتنصفه حتى وإن لم تنصفه الأقلام، الجندي المجهول في معركة السجون، صاحب الحكم المؤبد، والسجل المرضي الذي يزداد سوءاَ يوماً إثر يوم، مدرسة نضالية منفردة بذاتها، تهددها أمراض وعزل إنفرادي وتعنت في تقديم العلاج وانتقام لشخصه.

العزل والأسلوب الانتقامي من إدارة السجون هو عنوان مرحلة السجن التي يعيشها الأسير المؤبد بلال يعقوب البرغوثي(٣٩عاماَ)، سكان بيت ريما، قضاء مدينة رام الله، يزيد من صعوبته عدد من الأمراض المزمنة والأمراض التي نتجت عن سنين الاعتقال، ورفض إدارة السجون تنظيم فترات تقديم العلاج اليومي له، وإدخال مستلزمات يحتاجها طبياً لإعانته على تحمل أمراضه.

مكتب إعلام الأسرى تحدث إلى بيان البرغوثي، أمل الحياة الجديد للأسير بلال، خطيبته التي ارتبطت به رغم حكمه المؤبد، للوقوف على آخر تطورات وضعه الصحي والاعتقالي ضمن سلسلة تقارير ينشرها مكتب إعلام الأسرى لإبقاء أسماء أسرى الأحكام العالية والمؤبدات ماثلة في أذهان أبناء شعبهم.

تقول بيان البرغوثي" أبرز ما يجب الحديث عنه بما يتعلق ببلال هو وضعه الصحي الراهن، حيث تحرر أسرى حديثاً من سجن جلبوع حيث يتواجد، في ظل انعدام زيارات المحامين في الآونة الأخيرة وعدم معرفتنا بأخبار السجون، وأكدوا لنا بأن وضعه الصحي سيء للغاية، وأخبرنا أحد الأسرى المحررين بأن بلال موجود في غرفة خاصة كأسلوب عقابي بحقه حيث لا نوافذ ولا ضوء ولا هواء ولا شيء فيها، وأوضاع بلال الصحية لا تحتمل ذلك أبداً".

تضيف بيان" بلال يعاني من ملف مرضي، بدأ بإطلاق الاحتلال الرصاص عليه عام ١٩٩٤، وقد فقد إحدى كليتيه في ذلك الوقت وهو اليوم مريض كلى بحاجة لأن يأخذ دوائه بشكل مستمر، هناك أسير آخر أخبرنا أنه في سجن جلبوع في قسم معزول ومتعب للغاية واليوم لا نعرف عنه إلا هذه المعلومات، آخر زيارة لمحامي له كانت في شهر ديسمبر الماضي حيث استطعنا في ذلك الوقت الحصول على تقريره الطبي، واليوم لا نعلم عنه إلا ما يخبرنا به أسرى محررون من ذات قسمه، ولا نعلم تطورات ملفه الطبي بشكل دقيق خلال هذه الفترة".

الملف الطبي للأسير بلال البرغوثي الذي وفره المحامي نهاية العام الماضي يعرض أن بلال يعاني من مرض للكلى ومن ارتفاع في ضغط الدم، وارتفاع في نسبة الدهون نتيجة لأن إدارة السجن تعطيه نوع طعام لا يتلائم مع طبيعة مرض الكلى لديه حيث يحتاج أصحاب هذا المرض لتناول أطعمة معينة والامتناع عن تناول عدد آخر منها، فيما لا توفر ظروف السجن هذه الرفاهية في ظل فرض سياسة التجويع بحق الأسرى.

يعاني الأسير بلال علاوة على كل ذلك من مرض النقرس ومرض سكابيوس حيث أكد المحامي الذي زاره أن جسده متحفر للغاية نتيجة هذا المرض، كما تطالب عائلته بإدخال جوارب طبية خاصة بمرض الدوالي الذي يعاني منه فوق كل ذلك، تقول خطيبته بيان" كل هذه الأمراض هي نتاج الاعتقال الذي خضع له بلال، مسيرة بلال بدأت عام 1994، حين تعرض خلال مواجهات شارك فيها ضد الاحتلال لثلاث رصاصات، اثنتين في منطقة الظهر، وواحدة في منطقة الكبد، وعلى إثر هذه الإصابة فقد بلال كليته وجزءاً من الكبد، ونتيجة إصابته بنزيف حاد مكث قرابة الشهر في المستشفى إلى أن تم اعتقاله بعد خروجه من المشفى بأسبوعين، وأمضى مدة شهر في الاعتقال في ذلك الوقت، ثم نال حريته".

بلال كان تاريخاً منفرداً بذاته واصل مسيرته النضالية إلى أن استطاع تجنيد ابن عمه عبد الله البرغوثي في صفوف كتائب القسام، ليقوم الاحتلال على إثر ذلك بوضعه على قائمة الشبان المنوي اغتيالهم، كما وقام بهدم منزل عائلته بتاريخ 24/10/2001، استمرت مطاردة الاحتلال لبلال حتى تاريخ 2/4/2002، حيث اعتقله الاحتلال بعد قصف مقر الوقائي وصدر بحقه حكم مدته 17 مؤبداً، بتهمة الانخراط في قيادة كتائب القسام وتجنيد عبد الله البرغوثي، ومسؤوليته المباشرة عن عملية سبارو بمشاركة أحلام التميمي وضياء الطويل.

توضح بيان البرغوثي بأن بلال أستاذ في المقاومة، وتنسب له العديد من العمليات البطولية التي حدثت في كافة أرجاء البلاد، تصفه خطيبته بأنه أحد أبرز القادة الذين لا يتحدثون عن أعمالهم بل يتركوها هي لتتحدث عنهم، فلم يترك معقلاً للجهاد إلا وانخرط به، وكان من أبرز المؤسسين للعمل العسكري في الجامعات الفلسطينية، بلال كان كادراً عسكرياً بحد ذاته ما شكل اعتقاله هاجساً طويلاً لدى المحتل، واليوم يتعرض كباقي الأسرى لسياسات ممنهجة من الاعتداءات ضد شخصه قبل كل شيء.

الأسير بلال البرغوثي اسم لامع في تاريخ الحركة النضالية في فلسطين قيادي جند أسماء كبيرة من أبناء الحركة الاسيرة وشهداء البلاد، الجندي المجهول الذي لا يحب أن يكتب أحد عنه وعن مسيرة حياته، الاحتلال يتعمد حسب آخر معلومات تتوفر لعائلة بلال عدم الالتزام في تقديم دواء الكلى لديه رغم أنه دواء يومي يحتاجه تباعاً في حين يقدمه الاحتلال له يوم ويقطعه عنه أيام، وحتى العام الماضي تجهل العائلة حقيقة وضعه الصحي بشكلٍ منتظم.

تصف بيان بلال بأنه من خيرة أبناء بلادها، إنسان يستحق الحياة، تنتظر حريته على أحر من الجمر، جهزت بيتاً لهما، وأسست حياة ترغب أن تمتلئ بصوته، بيان ابنة البلاد صاحبة العلم التي ترى أنها لا تضحي بارتباطها ببلال بسنوات عمرها بل على العكس ترى في معرفتها له حياة وأملاً وحباً، تؤكد على أن الأمر ليس سهلاً ولا يعرف وجعه إلا من ذاقه، لكنها نعم النساء التي تقف خلف تضحيات أبناء بلادها.

تقول بيان" أنا كلي أمل بأن بلال سينال حريته، الطريق ليس سهلاً، لكنني فرحة لأني أصبحت باب أمل جديد لبلال، فقد أكد لي عبر أسرى محررين وعبر أكثر من مناسبة بأنه نال حريته حين ارتبط بي، فكيف لي أن لا أقف خلفه حتى ينال حريته".

اليوم تعاني عائلة الأسير بلال البرغوثي من تخوفات نتيجة غياب أخبار بلال عنهم، اليوم تبذل رفيقة دربه بيان كل جهودها لتعين محامين يزوروه بشكل منتظم رغم ما تتعرض له عائلات الأسرى من مشاكل نتيجة قطع رواتبهم وصعوبة إيجاد محامين متطوعين، اليوم تجاهد بيان وحدها للوقوف لتوفير علاج يومي لآلام بلال في السجون، لكن أوضاع السجون ما بعد حرب السابع من أكتوبر تجعل مهمتها شبه مستحيلة في ظل عزل قيادات الحركة الأسيرة ومنع زيارات المحامين، وتعمد الاحتلال تغييب صوت الأسرى إلا من محررين من الأسرى يخرجون بشجاعة بعد سنوات وأشهر ويروون سلسلة من الكوابيس التي أذاقتهم إدارة السجون مرارتها ولا زالت تذيقها لمن خلفهم من الأسرى.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020