في سجن الدامون، حيث تختلط رائحة العفن والرطوبة بصوت الصراخ والحرمان، تعيش الأسيرة إسلام أحمد طلب حلبي شولي (35 عاما) على نبض الشوق والذكريات. مهندسة وأم لثلاثة أطفال، تجمعها قيود السجن مع أمها دلال المعتقلة، بينما يتوزع زوجها إيهاب وأخوها محمد بين سجني مجيدو ورامون.
تقول إسلام بابتسامة ممزوجة بالدموع: "من لطف رب العالمين أني أكون مع ماما، كنت أفكر فيها وبمحمد وإيهاب لدرجة نسيت الولاد لأني متأكدة إنهم بأمانة إيمان وتسنيم"، لكن قلبها لا يكف عن استحضار صور أحمد وحلا وحور، والحنين إليهم يزداد مع كل يوم.
تتنقل إسلام بين تفاصيل صغيرة تحمل في طياتها حنينا كبيرا؛ قصيدة سعد التي حفظتها عن ظهر قلب، كيكة عيد ميلاد وتخرج احتفلن بها خلف القضبان، ورسائل شوق متبادلة بين الأهل. تقول مازحة: "مين بدو يكوي لأبوي الدشداشة يوم الجمعة؟"، وتوصي أن تُصوَّر أولادها بأزياء المدرسة إذا لم يكتب لها الخروج قبل العام الدراسي.
في غرفة رقم (5)، تتقاسم إسلام المعاناة مع شيماء أبو غالي، أسيل حماد، إيمان شوامرة، ربى دار ناصر، وشيرين وميسر ولينا وزوز المحتسب. جميعهن يختزن وجوها وأصواتا أحبة غابوا، وهن يقتاتن على رسائل وذكريات لتبقى الأرواح معلقة بالحياة.
لكن خلف الحنين هناك واقع قاس: رطوبة تخنق الأنفاس، تهوئة معدومة، صلافة السجان تزداد، وانعزال قاتل عن أخبار العالم.
وإلى ذلك، تضيف إسلام ألم الخديعة، حين وقعت على "اعتراف" وهي تظن أنه سيفتح لها باب مكالمة مع أطفالها.
وفي ختام حديثها، فجأة وكأنها تريد أن تكسر ثقل اللحظة، أوصت برسالة طريفة ومؤثرة في آن:
"بالله عليك أستاذ، يوم الترويحة بصفقة نزل بوست: البنات بدهن دوالي وملوخية".