"ما بعد 7 أكتوبر": حياة الأسرى في السجون الإسرائيلية تحت نار الانتقام والتجويع
تقرير/ إعلام الأسرى

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحولت السجون الاسرائيلية من أماكن احتجاز إلى مختبرات مفتوحة للتنكيل الممنهج، حيث يعيش الأسرى الفلسطينيون تحت سطوة انتقام سياسي وعسكري منظّم، يتجاوز كل ما عاشوه في العقود السابقة من نضال داخل المعتقلات. فالحرب التي تشن على قطاع غزة لم ترتبط جغرافيا في أرض غزة بل  فتحت بوابة لجحيم جديد داخل جدران السجون، طالت كل تفصيل في حياة الأسرى، من الطعام والدواء وحتى حقهم في الصمت.

ما بعد 7 أكتوبر هو زمن الانقلاب الكامل على كل ما راكمته الحركة الأسيرة طيلة سنوات. فالأسرى، الذين انتزعوا مكتسباتهم بدمهم وأمعائهم الخاوية، وجدوا أنفسهم أمام سلطة لا تتردد في سحقهم جسديًا ونفسيًا، تحت غطاء سياسي يتزعمه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي أعلن صراحة عن نيته إنهاء ما أسماه "الحكم الذاتي للأسرى". في تلك اللحظة، بدأت المرحلة التي يصفها المفرج عنهم بأنها "الحرب داخل المعتقلات".

شهادات الأسرى الذين خرجوا بعد أكتوبر تتقاطع في نقاط دامغة: التعذيب لم يعد استثناء بل هو القاعدة. من لحظة الاعتقال وحتى الوصول إلى الزنزانة، سلسلة متواصلة من الضرب، الإهانات، رش الغاز، إطلاق الكلاب البوليسية، وحتى اعتداءات جنسية. أجساد الأسرى تحوّلت إلى أدوات لتفريغ الغضب، وكرامتهم باتت ساحة انتقام رسمي. لم تسلم حتى صلواتهم، التي مُنعوا من أدائها جماعيًا، ولم تنجُ المصاحف من المصادرة، كما لم تُوفَّر أدنى أدوات الطهارة أو النظافة.

الغرف المخصصة لثمانية أسرى باتت تضم 14 أو أكثر. لا أسِرّة تكفي، ولا حمامات تلائم العدد. الكنتينا أُغلقت بالكامل، والأسرى حُرموا من أي إمكانية لتعويض نقص الطعام بأموالهم الخاصة. وجبات لا تُشبع، في كثير من الأحيان غير ناضجة أو فاسدة، سبّبت فقدانًا جماعيًا للوزن، وأمراضًا معوية، بينما تسجّل مؤسسات الأسرى استشهاد أكثر من 50 أسيرًا خلال أقل من تسعة أشهر، معظمهم من معتقلي غزة، كما وثّق "مكتب إعلام الأسرى" .و الرقم مرشّح للارتفاع، وسط تعتيم متعمّد على الوضع الصحي داخل المعتقلات، وحرمان منهجي من العلاج، حتى في الحالات الطارئة.

وفي خطوة وصفتها منظمات حقوقية دولية كـ"أمنيستي" و"هيومن رايتس ووتش" بأنها ترسيخ للمأساة، عمدت إدارة السجون إلى تحويل المرافق العامة داخل الأقسام – من مغاسل وكنتينات – إلى غرف احتجاز مغلقة، ضمن ما بات يُعرف بـ"خطة 888" التي تهدف إلى فرض الاكتظاظ كمبدأ دائم. الأسرى اليوم محرومون من الحركة داخل القسم، لا فورة جماعية، لا تواصل بين الغرف، لا زيارات من الأهل، ولا حتى لقاءات منتظمة مع المحامين. العزل صار مُركّبًا: جسديًا، اجتماعيًا، ومعلوماتيًا.

القصص التي يرويها الأهالي تشير إلى تحوّل المعتقل إلى "مقبرة بطيئة". في لقاءات اعلامية، وثّقت عائلات من القدس كيف تغيّرت ملامح أبنائهم بعد الاعتقال الأخير، وتحدثوا عن "أجساد منهكة، نظرات خاوية، وسلوك صامت لا يشبه أبناءهم قبل الأسر"، ما يعكس الانهيار النفسي الذي يُفرض على المعتقلين دون رحمة.

حتى تلك الدقائق القليلة التي يُسمح فيها بالاستحمام، تخضع لعقاب إضافي: ماء شديد البرودة شتاءً أو بالغ السخونة صيفًا. الأسير لا يملك إلا زيًّا واحدًا، يُمنع من غسله أحيانًا، ويُجبر على ارتدائه حتى يتحلل. لا صابون، لا معقم، لا مقص للأظافر. ورق المرحاض يُوزع كل عشرة أيام، بكميات لا تكفي ربع الموجودين في الغرفة.

كل ذلك جرى بينما صمت العالم، وتراجعت قدرة الأسرى على الاحتجاج. لم تعد الإضرابات خيارًا ممكنًا، فالموت أضحى قرارًا سريعًا في يد السجان. السجون اليوم بلا صوت. صدى المعاناة لا يخرج إلا في شهادات مقتضبة لأسرى أُفرج عنهم، أو في شهادات تُسرَّب تحت الخطر. أما من بقي داخل السجن، فهو في سباق يومي مع البقاء.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020