“محمد ناصر”… حين يُسرق الحلم من عتبة الجامعة
تقرير/ إعلام الأسرى

لم يكن الفتى محمد كامل ناصر (18 عامًا) من بلدة اللبن الغربي شمال غرب رام الله، يدري أن فرحته بنجاحه في الثانوية العامة ستكون ناقصة، وأن باب الجامعة الذي طرقه بتفاؤل لن يُفتح له، بل سيُغلق عليه باب السجن فجأة، ويُحكم عليه بأن يبدأ حياته الجامعية بين جدران المعتقل.

كانت الفرحة غامرة في بيت عائلة ناصر بعد إعلان نتائج الثانوية في تموز العام الماض، كما روت والدته في مقابلة خاصة مع مكتب إعلام الأسرى. قالت: “غمرت البهجة كل أركان البيت، كان محمد قد اجتهد وسهر طويلًا، وحقق ما كان يحلم به. وضع نصب عينيه دراسة الاقتصاد والتجارة، وتقدّم بطلب للالتحاق بجامعة فلسطين التقنية – خضوري، وتم قبوله في تخصص إدارة الأعمال. كان مستعدًا لبدء حياته الجديدة، لكنه لم يُمنح الفرصة”.

لم تمضِ أيام قليلة حتى بدد الاحتلال فرحة العائلة، واعتقل محمد قبل أن يؤدي امتحان القبول. في الساعة الثانية فجرًا، اقتحم عشرات الجنود منزل العائلة. استيقظ الجميع على أصوات الصراخ والاقتحام والتفتيش القاسي. تقول والدته: “ساعة كاملة من التفتيش والاستجواب، ثم قيّدوه وعصبوا عينيه أمامنا، واقتادوه من دون أن يسمحوا له حتى بإلقاء نظرة وداع. ترك خلفه دموعي، وارتجاف قلب أبيه، وغرفته التي علّق فيها حلمه”.

لم تتوقف المعاناة عند لحظة الاعتقال. فبعد أسابيع من انقطاع التواصل، علمت العائلة بإصابة محمد بمرض السكابيوس (الجرب)، من خلال شهادات أسرى محررين من سجن مجدو، حيث يُحتجز محمد حاليًا. حاولت العائلة إرسال محامٍ لزيارته والاطمئنان على وضعه الصحي، لكن إدارة السجن رفضت الزيارة مرتين، بحجة وجوده في الحجر الصحي بسبب الإصابة، ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر تنتظر العائلة تحديد موعد جديد.

تقول والدته بصوت يختلط فيه القلق بالحسرة: “لا نعلم شيئًا عن حالته. هل يتلقى علاجًا؟ ما هي المرحلة التي وصل لها المرض؟ كيف ينام؟ وكيف يقضي أيامه؟ الشهادات التي وصلتنا من أسرى محررين تؤكد أنه لا يُقدَّم له العلاج الكافي”.

وخلف هذه المعاناة الصحية، يقف وجه محمد الذي لا يغيب عن ذاكرة والدته. تقول: “محمد لم يكن فقط ابني، كان رفيقي، ظلّي الذي لا يفارقني. كانت بيننا علاقة استثنائية. كثيرًا ما كان يهمس لي بابتسامته الهادئة: ‘سأفاجئك يومًا وأجعلك فخورة بي’”.

حتى المحامي الذي التقاه في بداية اعتقاله عبّر بدهشة عن نضجه ووعيه، قائلاً لعائلته: “كأنني أجلس أمام رجل في الأربعينات، لا شاب في الثامنة عشرة”. هكذا بدا محمد رغم التجربة القاسية، ثابتًا، حاضر الذهن، وهادئًا، وكأن الأسر لم يزد شخصيته إلا وعيًا وصلابة.

غياب محمد ترك فراغًا واسعًا في حياة عائلته. والدته تصف غيابه بأنه “غياب الروح عن الجسد”، لا يمرّ يوم دون أن يذكره الجميع. شقيقتاه، داليا ونورس، تفتقدان ضحكته وعونه ووجوده، وإخوانه صخر وآدم، يعيشان يومهما بفرح ناقص. تقول والدته: “كان محمد ضوء هذا البيت، وسنده. ومع كل يوم يمر، يزداد الشوق، ويكبر الأمل بأن نراه قريبًا، حرًّا، كما يستحق.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020